يوجد عدد من الصحفيين التونسيين الذين يعملون في ذات الوقت في صحف صادرة في تونس و كمراسلين لصحف صادرة خارجها. من بين هؤلاء الصحفي صالح عطية الذي يعمل بالأساس في جريدة "الصباح" التونسية في الوقت الذي يشتغل فيه مراسلا لصحيفة "الشرق" القطرية. و يبدو من المثيرا للإهتمام مقارنة طريقة الكتابة الصحفية في هذه الحالة و بخاصة عندما يتعلق الأمر ليس بمجرد تقرير نقل إخباري بل أيضا تحليل إخباري لنفس الموضوع مثل تحليل نتائج مؤتمر حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم المنتهية أشغاله نهاية الأسبوع الأخير.
تحليلان لنفس الحدث
صدر التحليل الإخباري الأول لهذا الحدث من قبل صالح عطية في صحيفة "الصباح" يوم الأحد 3 أوت الفارط بعنوان "ما هي ملامح المرحلة المقبلة سياسيا و اجتماعيا؟" (يمكن الاطلاع على المقال كاملا على هذا الرابط). في حين صدر التحليل الإخباري الثاني من قبل نفس الكاتب في صحيفة "الشرق" القطرية الصادرة يوم الثلاثاء 5 أوت بعنوان "تونس: مؤتمر الحزب الحاكم يحدد ملامح المرحلة السياسية المقبلة" (يمكن الاطلاع على المقال كاملا على هذا الرابط).
كانت مقدمة مقال "الصباح" كما يلي: "أنهى التجمع الدستوري الديمقراطي، مؤتمره الخامس امس بالاعلان عن القائمة الجديدة المنتخبة لاعضاء اللجنة المركزية، وادخال تعديلات على القانون الداخلي للحزب، فيما تضمن خطاب رئيس التجمع، الرئيس زين العابدين بن علي ملامح المرحلة المقبلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فماهي أبرز ملامح هذه المرحلة؟ وبأي أجندا سيدخلها التجمع الدستوري الديمقراطي؟". و كانت مقدمة مقال "الشرق" كما يلي: "أنهى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في تونس، مؤتمره الخامس أول من أمس، بالإعلان عن القائمة الجديدة المنتخبة لأعضاء اللجنة المركزية (ثاني سلطة قرار بعد المؤتمر في الحزب)، ورسم ملامح المرحلة المقبلة في البلاد خصوصا من الناحيتين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى إدخال تعديلات على القانون الداخلي المنظم للحزب، بشكل يقدم صورة عن ملامح القيادة المقبلة للحزب وتشكيلة الحكومة التي ستقود البلاد خلال السنوات القادمة".
و يمكن مقارنة تركيبة النصين و تسلسل الأفكار فيهما فيما يلي:
تحليل "الصباح" يتكون من الفقرات التالية حسب العناوين الفرعية المرافقة لها:
أولا: فقرة بعنوان "الملف السياسي" ورد في بدايتها ما يلي: "يمكن القول ان مؤتمر التجمع الدستوري تمخض عن ثلاث نتائج هامة في سياق الحديث عن الجانب السياسي. 1 ـ ويأتي قبول رئيس التجمع، ترشيحه للانتخابات القادمة المقررة في العام 2009، في مقدمة العناوين البارزة للمشهد السياسي الحزبي (الخاص بالتجمع) والوطني المتعلق بالترشحات للاستحقاق الانتخابي القادم.. ومعنى ذلك ان الرئيس بن علي، يعد اول المرشحين لانتخابات 2009، من الزاوية القانونية والدستورية، في انتظار ترشحات اخرى من احزاب المعارضة الذين يستجيبون للشروط التي نص عليها التعديل الدستوري الاضافي، الذي صادق عليه البرلمان في قراءة ثانية مؤخرا.. لكن مؤتمر التجمع الدستوري الديمقراطي، تمخض كذلك، عنه قراران اتخذهما كل من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والحزب الاجتماعي التحرري، يقضيان بترشيح رئيس التجمع للانتخابات الرئاسية القادمة، سواء في اطار مقترح «الاغلبية» الرئاسية الذي قدمه الامين العام لـ «ح.د.ش» اسماعيل بولحية. او مقترح «الجبهة الديمقراطية الوطنية» الذي رفعه الامين العام للتحرري، المنذر ثابت.. وهو ما يعني من الناحية العملية، انسحاب حزبين معارضين من دائرة التنافس على الاستحقاقات الرئاسية.". كما ورد فيها أيضا: "اعلان رئيس الدولة ورئيس التجمع، على تمسكه بمبدإ التداول على السلطة على قاعدة الانتخابات والاحتكام لمضمون الدستور وبنوده واحكامه والشروط التي يتضمنها.. ويضع هذا الاعلان الرئاسي: حدا للمطالب التي ما انفكت بعض الاحزاب السياسية ترفعها في بياناتها وشعاراتها وثقافتها الحزبية.. ومعنى ذلك، ان التداول الذي يعني «تسليم الحكم» او «التخلي عن السلطة» او «الانسحاب من كرسي الرئاسة» لا معنى له من الناحية السياسية والدستورية كما اوضح ذلك السيد زهير مظفر في الندوة الصحفية خلال المؤتمر. وبعبارة اخرى، فان التداول على السلطة، لا يجد معناه الا من خلال صندوق الاقتراع ورأي الشعب، فذلك هو الطريق الى التداول، وهو ما تشير اليه، بل وتتضمنه مختلف الدساتير الموجودة حتى في اعرق الديمقراطيات في العالم، حيث لا يتم التنصيص على مبدإ التداول، وانما على الانتخابات كقاطرة رئيسية للوصول الى الحكم في اي بلد. والسؤال المطروح في الاوساط السياسية وفي دوائر النخب هو: كيف ستتعاطى الاحزاب المطالبة بالتداول مع هذه المقاربة الجديدة؟ ام ان موضوع التداول على السلطة قد حسم بهذا التحليل، وعبر وجهة النظر الحكومية هذه؟".
ثانيا: فقرة بعنوان "لجنة مركزية جديدة" ورد في بدايتها ما يلي: "من جهة اخرى، كشفت انتخابات المؤتمر عن ميلاد لجنة مركزية جديدة للحزب الحاكم، بلغت نسبة التجديد فيها قرابة الخمسين بالمائة.. لجنة صعد اليها عدد غير قليل من الشباب ونسبة معتبرة من العناصر النسائية الى جانب كفاءات تجمعية عديدة.. فيما غادرها بعض الوزراء واطارات تجمعية عالية المستوى في اطار «سياسة» كرستها قيادة الحزب في هذا المؤتمر، عنوانها الرئيسي، «التشبيب» وضخ «دماء جديدة» على هذه اللجنة..".
ثالثا: فقرة بعنوان "تعديلات هامة" تضمنت في بدايتها ما يلي: "ومثلما يجري في كل مؤتمرات الاحزاب تقرر ادخال تعديلات عديدة على القانون الداخلي للحزب، في مقدمتها، قرار الاقتصار على نائب واحد لرئيس التجمع بدلا من اثنين".
رابعا: فقرة بعنوان "مرحلة صعبة و دقيقة" تضمنت في بدايتها ما يلي: "على صعيد اخر، كان الخطاب الافتتاحي لرئيس الدولة، وكذا كلمته الختامية للمؤتمر، بمثابة «ناقوس الانذار» لطبيعة المرحلة المقبلة، التي وصفها بالدقيقة والحرجة من حيث الصعوبات الاقتصادية وتقلبات اسعار النفط والمنتجات الغذائية في السوق الدولية، لكن رئيس الدولة ركز في ذات السياق على «روح التضحية والمغالبة» لدى التونسيين، واشار الى طموحهم الكبير ورغبتهم في العيش الكريم، وهو ما جعل بعض المراقبين يتوقفون عند هذه الكلمات، في اشارة الى دخول البلاد مرحلة ستتم مواجهتها بشعار «التحدي» الذي سيكون عنوان المرحلة المقبلة، مثلما كان شعارا لمؤتمر التجمع الدستوري الديمقراطي..".
مقابل ذلك يتكون تحليل "الشرق" من الفقرات التالية حسب العناوين الفرعية المرافقة لها:
أولا: فقرة بعنوان "المرشح الدستوري الأول" ورد في بدايتها ما يلي: "ويبدو أن أحد أهم إفرازات مؤتمر الحزب الحاكم في تونس، هو قبول الرئيس بن علي ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2009، تلبية لنداء حزبه، ومناشدة عديد المنظمات والجمعيات وحتى بعض أحزاب المعارضة (المحسوبة على الموالاة).. ويعد بن علي بموجب هذا القرار، أول المرشحين لانتخابات 2009، من الزاوية القانونية والدستورية، في انتظار ترشيحات أخرى من أحزاب المعارضة الذين يستجيبون للشروط التي نص عليها التعديل الدستوري الإضافي، الذي صادق عليه البرلمان في قراءة ثانية قبل أسبوع.. وكان حزبان من معارضة الموالاة، أعلنا خلال مؤتمر التجمع الدستوري الديمقراطي، عن قرارهما ترشيح رئيس الحزب الحاكم ورئيس الدولة، زين العابدين بن علي للانتخابات القادمة، في إطار "جبهة ديمقراطية وطنية"، أو في سياق "أغلبية رئاسية".. ودعت كل من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والحزب الاجتماعي التحرري (ليبرالي)، إلى تشكيل "جبهة" تجمع الحزب الحاكم والأحزاب والمنظمات الموالية للحكومة، على قاعدة التقدم للانتخابات الرئاسية القادمة بمرشح وفاقي هو الرئيس بن علي، لكن التجمع الدستوري الديمقراطي، لم يقدم إجابة على هذا الموضوع خلال المؤتمر، ما يعني في نظر المراقبين أنه غير معني بمثل هذه المقترحات، أو على الأقل لا يفكر فيها في الوقت الراهن.. ". وقع إختتام هذه الفقرة بما يلي: "وكان زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي، أحمد نجيب الشابي، أعلن في وقت سابق ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقررة في خريف العام 2009، لكنه ترشيح غير قانوني ولا يسمح به دستور البلاد، مما يعني أنه لا يتجاوز دائرة "الترشح السياسي" وبالتالي غير معني بمنافسة الرئيس التونسي، الذي يحكم البلاد منذ العام 1987..".
ثانيا: فقرة بعنوان "الديمقراطية و التداول على الحكم" ورد في بدايتها ما يلي: "من جهة ثانية، شدد الحزب الحاكم، سواء في لائحته السياسية أو من خلال خطاب زعيمه، الرئيس بن علي، على تعزيز المسار الديمقراطي والتعددية في البلاد، في ردّ على بعض المعارضين الذين أعربوا عن تخوفاتهم بشأن إمكانية تراجع الحكومة عن الديمقراطية خصوصا بعد الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع أحداث الحوض المنجمي، والتي أعطت الانطباع بإمكانية الارتداد عن المسار الديمقراطي، لذلك كان خطاب قيادة الحزب الحاكم في المؤتمر، واضحا بشأن التأكيد على التمسك بالديمقراطية كخيار لا مندوحة عنه في سياسات الحكومة خلال المرحلة المقبلة..
وأعلن الرئيس التونسي وقيادة الحزب الحاكم في ذات السياق، عن تمسكهما بمبدأ "التداول على السلطة"، وهو الأمر الذي مثّل محور مطالب بعض المعرضات التي توصف بـ "الراديكالية" في تونس.. لكن التجمع الدستوري شدد على أن التداول على الحكم لا يعني "ترك السلطة" أو "الانسحاب من الحكم"، وإنما يتم "على قاعدة الانتخابات والاحتكام لمضمون الدستور" وبنوده والشروط التي يتضمنها.. ". كما تضمنت هذه الفقرة فيما بعد ما يلي: " ويرى مراقبون، أن هذا الإعلان الرئاسي والحزبي، يضع حدا للمطالب التي ما انفكت بعض الأحزاب السياسية ترفعها في بياناتها وشعاراتها وثقافتها الحزبية.. وقال زهير المظفر وزير الوظيفة العمومية في الحكومة التونسية، وأحد منظري الحزب الحاكم لـ "الشرق"، أن "التداول الذي يعني تسليم الحكم أو التخلي عن السلطة أو الانسحاب من كرسي الرئاسة، لا معنى له من الناحية السياسية والدستورية"، مشددا على أن "التداول على السلطة، لا يجد معناه إلا من خلال صندوق الاقتراع ورأي الشعب، فذلك هو الطريق إلى التداول، وهو ما تشير إليه، بل وتتضمنه مختلف الدساتير الموجودة حتى في اعرق الديمقراطيات في العالم، حيث لا يتم التنصيص على مبدأ التداول، وإنما على الانتخابات كقاطرة رئيسية للوصول إلى الحكم في أي بلد".. والسؤال المطروح في الأوساط السياسية وفي دوائر النخب هو: كيف ستتعاطى الأحزاب المطالبة بالتداول مع هذه المقاربة الجديدة؟ أم أن موضوع التداول على السلطة قد حسم بهذا التحليل، وعبر وجهة النظر الحكومية هذه؟".
ثالثا: فقرة بعنوان "قيادة حزبية جديدة" تضمنت في بدايتها على ما يلي: "على صعيد آخر، كشفت انتخابات مؤتمر الحزب الحاكم، عن ميلاد لجنة مركزية جديدة، صعد إليها عدد غير قليل من الشباب ونسبة معتبرة من العناصر النسائية، فيما غادرها بعض الوزراء وكفاءات تجمعية عالية المستوى في إطار سياسة "التشبيب" وضخ "دماء جديدة" كرستها قيادة الحزب في هذا المؤتمر.. ".
رابعا: أخيرا فقرة بعنوان "مرحلة صعبة" تضمنت ما يلي: "لكن الأمر المهم الذي تمخض عن المؤتمر، هي الإشارات التي تضمنها خطاب رئيس التجمع الدستوري، بشأن تحديات المرحلة المقبلة، والتي اعتبرت بمثابة "ناقوس الإنذار" ونوع من دعوة كانت صريحة لـ "شدّ الأحزمة" خلال المرحلة المقبلة، التي وصفها الرئيس التونسي بالدقيقة والحرجة من حيث الصعوبات الاقتصادية وتقلبات أسعار النفط والمنتجات الغذائية في السوق الدولية.. وتضمن خطاب بن علي وأدبيات الحزب معاني "روح التضحية والمغالبة" لدى التونسيين، في إشارة إلى ضرورة التضحية، وهو ما اعتبر في رأي المراقبين، إعلان علني وضريح على دخول البلاد مرحلة ستتم مواجهتها بشعار "التحدي" الذي سيكون عنوان المرحلة المقبلة..".
تعليق "الشاهد التونسي"
- المقارنة بين المقالين تشير بشكل واضح أننا أساسا بصدد تحليل واحد و ليس تحليلين سواء من حيث المحتوى أو الصياغة أو التراكيب. و حتى الفقرة المضافة في مقال "الشرق" بعنوان "الديمقراطية و التداول على الحكم" مستنسخة أساسا بالكامل من نهاية الفقرة الأولى من مقال "الصباح". و هكذا العمل الأساسي الذي قام به الصحفي في مقال "الشرق" هو تعديلات طفيفة على صياغة المقدمة و تغيير عناوين فقرات مقال "الصباح".
- أحد الفروق القليلة و البديهية بين التحليلين هو إضافة أو تعويض بعض الكلمات و المصطلحات المتوقعة بفعل إختلاف الإطار و المتلقي من تونسي إلي قطري أو عربي بشكل عام. ينطبق ذلك مثلا على إضافة تعبير "الحاكم" عند ذكر "التجمع" أو قول "بن علي" (الشرق) عوض "رئيس الدولة" (الصباح).
- أخيرا هناك اختلاف طفيف في المحتوى يتمثل في إضافات خاصة بمقال "الشرق". يتعلق ذلك خاصة بخاتمة الفقرة الأولى و التي ضمنت إشارة إلي "الترشح السياسي" لأحمد نجيب الشابي ثم الإشارة إلي "الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع أحداث الحوض المنجمي" و "الانطباع بإمكانية الارتداد عن المسار الديمقراطي". ليس من الواضح إن كانت هذه إضافات قصد الكاتب تخصيصها لمقال "الشرق" و من ثمة امتنع بشكل ذاتي من نشرها في مقال "الصباح" أم أنها كانت جزءا من مقال "الصباح" و لم يتمكن من نشرها.
- بشكل عام يمكن القول أنه إذا كان من المفهوم أن تتشابه التقارير التي تتضمن معطيات إخبارية حتى عند كتابتها من قبل نفس الصحفي فإنه من غير المفهوم لماذا يجب نشر نفس "التحليل الإخباري" تقريبا في صحيفتين مختلفتين و بتاريخين مختلفين. و لا يتعلق تساؤلنا هذا باختيارات الصحفي فقط بل أيضا باختيارات صحيفة "الشرق" أيضا. من جهة أخرى عندما ينشر في صحيفة دولية يعدل الكاتب جزئيا في أسلوبه و خاصة من حيث بعض المعطيات التي يمكن أن تمثل "إشكالا" في حالة نشرها في صحيفة محلية.