الثلاثاء، 29 جويلية 2008


صحف—مواقع إلكترونية—الشاهد التونسي

ينعقد المؤتمر الدوري للحزب الحاكم في تونس "التجمع الدستوري الديمقراطي" بين يومي 30 جويلية و 2 أوت الجاريين. و من البديهي أن يكون ذلك أحد المحاور التي تشغل الإعلام التونسي بجميع أطيافه هذه الأيام. غير أنه كان من الصعب إيجاد تقارير تحليلية و إخبارية تتصف بالاستقلالية خاصة في مصادر إعلامية من المفترض إسميا أن تتسم بالاستقلالية عن رؤية حزب "التجمع" أو تلك الخاصة بالأطراف المعارضة له.

عينة إخبارية

صدرت تقارير متعددة عن "وكالة الأنباء التونسية" (وات) الممولة من الدولة. من بينها تقرير بتاريخ 26 جويلية بإمضاء "فاطمة زريق" بعنوان "تطوير العمل السياسي التجمعي من أجل كسب رهان التحدي". ورد في مفتتح التقرير ما يلي: "يعمل التجمع الدستورى الديمقراطي الذى يعد اكثر من مليوني منخرط ومنخرطة لتعزيز موقعه فى المشهد السياسي الوطنى كاعرق حزب جماهيرى قادر على التعايش مع سبعة احزاب وطنية واعرق حزب سليل لحركة تحرير في البلاد العربية والقارة الافريقية وواحد من اعرق ثلاثة احزاب سياسية في العالم". و جاء في الفقرة الموالية ما يلي: "ويعتبر المؤتمر الخامس للتجمع تحت شعار التحدى الذى يلتئم من 30 جويلية الى 2 اوت 2008 وما ستعقبه من محطات هامة في مقدمتها الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 منطلقا لطور جديد من العمل السياسي لتاكيد قدرة حزب التجمع على تعبئة القوى والطاقات الحية لكسب رهانات المستقبل وتحقيق تطلع المجتمع التونسيى بمختلف اجياله وفئاته الى مزيد من الرقى والرفاه" (أنظر بقية التقرير على هذا الرابط).

كما صدر عن نفس المصدر (وات) تقرير آخر يوم 28 جويلية بإمضاء "إيمان بحرون" بعنوان "مؤتمر التحدي بنضال المرأة وحماس الشباب". جاء في مقدمته ما يلي: "ستحوز المراة نسبة 30 بالمائة من أعضاء اللجنة المركزية للتجمع الدستورى الديمقراطي التي سيفرزها موءتمره الخامس بعد التغيير والتي ستضم كذلك في تركيبتها 61 شابا وشابة من مختلف جهات البلاد ومن شباب الجالية التونسية بالمهجر لتعكس بذلك الوجه الجديد للتجمع الحزب الموءتمن على التغيير". و ورد في الفقرة الموالية: "ويحمل شعار التحدى الذى اختير لهذا الموءتمر دلالات عميقة وابعاد كبيرة يحرص هذا الحزب العتيد على رفعها ومن بينها تحدى ولوج مرحلة جديدة تتميز بفتح افاق ارحب امام الشباب والمراة واذكاء جذوة النضال في صفوفهما حتى يظل التجمع على الدوام متميزا بروحه الشبابية وبحماس العنصر النسائي فيه الى جانب ريادته في التفاعل مع الواقع العالمي الجديد وما يطرحه من تحديات وفي استشراف افاق المستقبل". (أنظر البقية على هذا الرابط).

و كتب في نفس الموضوع "كمال بن يونس" تقريرا صدر في جريدة "الصباح" و هي يومية "مستقلة" بتاريخ 16 جويلية بعنوان رئيسي "المؤتمر الخامس للتجمع: رهانات و تحديات جديدة"، و بعنوان فرعي "مشاغل الشباب وملفات التشغيل والتعددية والهوية تتصدر أولويات المرحلة القادمة. تساؤلات حول تفعيل الدور السياسي لبعض الهياكل". و هذه نماذج عما ورد في فقرات هذا التقرير: "من ابرز التحديات والرهانات التي طرحت في مستوى اللجان التحضيرية للمؤتمر الخامس للحزب وفي كواليس التجمع منذ أسابيع استقطاب الشباب والكفاءات الوطنية.. بصرف النظر عن المواقف التي يمكن أن يعبر عنها هؤلاء الشباب وممثلو النخب.. التي قد تكون مستقلة أو متعاطفة جزئيا مع المعارضة.. هذا الرهان على الشباب والنخب كشفته عدة تصريحات ومواقف وقرارات صادرة عن كبار المسؤولين في الدولة والحزب خلال الاسابيع الماضية.. من أبرزها القرار الرئاسي القاضي بتخصيص ما لا يقل عن مقعدين في اللجنة المركزية القادمة للشباب دون الثلاثين عاما.. وهو ما يعني دخول ما لا يقل عن 56 شابا وشابة للقيادة العليا للحزب بعد الديوان السياسي في 2 أوت القادم". و كذلك: "تتزامن هذه الخطوة مع سنة الحوار مع الشباب والاستشارة الوطنية حول التشغيل.. ومع الدراسات الصادرة عن المرصد الوطني للشباب وغيره من مراكز الرصد للسلوكيات الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية لتيار عريض من الشباب التونسي.. ذكورا وإناثا.. ومن بينها العنف اللفظي والمادي في الملاعب وخارجها والاستعداد للانخراط في مجموعات منحرفة أو متطرفة..ويؤكد هذا التمشي ما سبق أن عبر عنه الرئيس بن علي في أكثر من كلمة بينها خطابه يوم 22 جوان 1994 الذي أورد فيه بالخصوص:"لقد سبق أن أكدت أن حزبا بلا شباب لا مستقبل له وأن ثراء الفكر السياسي ببعديه النظري والتطبيقي مرتبط بمدى انخراط المفكرين والمثقفين في العمل الحزبي ولذلك فإن إيماننا بفسح المجال واسعا أمام الشباب وأمام المثقفين والجامعيين ومختلف الاطارات والكفاءات هو الضامن لتجدد نسق الحياة في الحزب وتجدد قواه وعزائمه وتعزيز قدرته علاوة على تحقيق الترابط بين الاجيال"". أيضا: "من بين أكثر التحديات التي تواجه حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ـ الذي يستعد لاحياء ذكرى ميلاده الـ90 بعد عامين ـ مواكبة المستجدات الاعلامية والسياسية الاقليمية والدولية.. بعد ثورة الفضائيات والانترنات والهاتف المحمول المخصص لنقل الخبر مصورا في وقت قياسي عبر الاقمار الصناعية.. انعكاسات هذه الثورة المعلوماتية والاعلامية نوقشت في مستوى لجنة الثقافة والاعلام التحضيرية للمؤتمر وتتصدرالقضايا المعروضة على لجان اللجنة المركزية ولوائح المؤتمر.. وتدعمها ارادة سياسية عليا عبر عنها الرئيس بن علي مرارا لتشجيع التعددية الاعلامية والديمقراطية الداخلية في التجمع وفي البلاد.. مثلما جاء في كلمة ألقاها يوم 18 ماي 1991: "إن الديمقراطية مطلوبة داخل التجمع لصالح التجمع نفسه دعما وقوة له يكون بها قدوة لسائر الاحزاب والمنظمات وبالتالي ضامنا للديمقراطية في البلاد"". و من ضمن ما ورد في خاتمة التقرير ما يلي: "في نفس الوقت فان من بين التساؤلات الاكثر إلحاحا التي تخامر التجمعيين والمستقلين والمعارضين في تونس تلك التي تهم العلاقة بين الادارة والحزب محليا وجهويا ووطنيا.. وتكريس اللامركزية في القرارات في عدد من المؤسسات الادارية والحزبية بالنسبة لعدد من الملفات.. ومراجعة دور الجامعات ولجان التنسيق والشعب وصلاحياتها.. الخ" (أنظر التقرير كاملا على هذا الرابط).

من جهة أخرى كتب صحفي تونسي آخر "إسماعيل دبارة" تقريرا نشر على موقع "إيلاف" الالكتروني (موقع مملوك للصحفي و رجل الأعمال السعودي "عثمان العمير") يوم 28 جويلية تقريرا حول نفس الموضوع بعنوان "مؤتمر الحزب الحاكم في تونس... نحو ترشيح بن علي للرئاسة". و من بين الفقرات الواردة فيه نورد ما يلي: "على الرغم من تناقل عدد من وسائل الإعلام الوطنية الرسمية و شبه الرسمية للاستعدادات الجارية لعقد المؤتمر الخامس للحزب الحاكم في تونس ، إلا أن متابعين مستقلين اعتبروا 'التكتم الشديد' سمة طاغية على تلك الاستعدادات، فباستثناء الخطاب 'الدعائي' حول تزايد عدد الشباب في 'التجمّع' و اتساع قاعدة منخرطيه لتبلغ أكثر من مليوني منخرط، فإن التنافس بين التيارات و الأطروحات و الزعامات بدا غائبا بشكل شبه كلي مقابل وفاق كامل على الخروج من المؤتمر بإعلان ترشيح الرئيس زين العابدين بن علي إلى دورة رئاسية خامس". ثم: "يرى المحلل السياسي رشيد خشانة إن الهدف الرئيس لمؤتمر 'التجمع' المقبل يمكن اختزاله في إعلان ترشيح الرئيس بن علي(70 عاما) لانتخابات 2009 الرئاسية فضلا عن تأثير التوازنات الجديدة داخل اللجنة المركزية على خارطة الترشّحات للانتخابات التشريعية القادمة و هو من الأمور التي لا يمكن التكهن بها بل تحتاج إلى بلورة بعد الإعلان عن تشكيلة اللجنة المركزي". و كذلك: "من جهته تساءل منجي اللوز الأمين العام المساعد بالحزب الديمقراطي التقدمي في لقاءه مع إيلاف حول شعار 'التحدي' الذي يرفعه مؤتمر التجمع الدستوري الديمقراطي وقال :'لا معنى لكلمة التحدي دون تحديد المصاعب و التّجمّعيون لم يعترفوا إلى حدّ اليوم بوجود مصاعب في تونس". و أخيرا يورد التقرير ما يلي: "لم يخف القيادي بحركة التجديد اليساريّة حاتم الشعبوني ترحيبه بنقاشات التجمعّيين في مواضيع حساسة كالإعلام و التسيير الديمقراطي و التوزيع العادل للثروات.وطرح الشعبوني مسالة الظروف التي ستدور فيها الانتخابات المقبلة ، و شدد على وجود عدد من المؤشرات السلبية التي تدلّ على تواصل سياسة التصلّب تجاه مكونات المجتمع المدني و أحزاب المعارضة ومن ذلك التعاطي الأمني مع أزمة الحوض المنجمي ، ومنع اجتماع تقييمي للإجراءات الرئاسية نظمته حركة التجديد لفائدة متساكني الحوض المنجمي بالإضافة إلى طريقة التعاطي مع ترشيح الرئيس بن علي و تسويقه كمرشحّ وحيد للشعب التونسي و يحظى بإجماع كافة التونسيين" (أنظر التقرير كاملا على هذا الرابط).

تعليق "الشاهد التونسي"

- تقوم "الصحافة الرسمية" (ممثلة أعلاه في تقارير "وات") بتغطية إعلامية لا تختلف في شيء عن "الصحافة الحزبية" أو وجهة نظر الحزب الحاكم في حين من المفترض مبدئيا أن تعكس إستقلالية عنه بوصفها ممولة من دافع الضرائب التونسي بمعزل عن إنتماءاته السياسية. و هي وضعية لا يمكن أن تصدر مثلا في حالة تغطية قنوات فرنسية أو بريطانية ممولة من الدولة ("فرنسا 2" أو "بي بي سي") لمؤتمرات أحزاب ممارسة للحكم في هذين البلدين زمن عقد مؤتمراتها. و تفتقد تقارير "وات" الواردة أعلاه إلى الحيادية بشكل بالغ من خلال الاقتصار على تقارير الحزب الحاكم و بياناته و تجاهل مواقف متباينة مع وجهة نظر الحزب الحاكم أو مواقف مراقبين مستقلين. و تفتقد للحيادية أيضا من خلال تبني اللغة الدعائية للحزب الحاكم بإسقاط الظفرين عما يصدر عنه و إدماجها ضمن نص كاتب التقرير مما يفقد الأخير الحد الأدنى من المسافة التي يفرضها أي تقرير مهني و يجعل القارئ غير مدرك للحدود التي من المقترض أن تكون بين نص الصحفي و نص مصدره بما في ذلك بيانات حزب "التجمع" في هذه الحالة. و في في نهاية الأمر لا يعود من الممكن فرز التقارير الصادرة عن لسان "التجمع" (جريدة "الحرية") و تلك الصادرة عن المصادر الإعلامية الممولة من قبل الدولة.

- يعكس تقرير صحيفة "الصباح" بوصفها أحد الصحف "المستقلة" الرئيسية في تونس رؤية معقدة بعض الشيئ. إذ عبر التقرير بالأساس (أي في معظم فقراته) عن وجهة نظر الحزب الحاكم من خلال عرض أهدافه و تعزيز ذلك بفقرات من خطب رئيس الجمهورية بصفته رئيسا للتجمع. و هو ما يترك الإنطباع بأننا بصدد تقرير يعبر بشكل كبير عن رؤية ذات بعد واحد تستشهد على موضوعها بالأساس من خلال موقف الطرف المعني و نواياه. لكن رغم ذلك تخللت التقرير معطيات إخبارية تعكس متابعة للصحفي لتفاصيل نقاشات جرت في "الكواليس" و "اللجان التحضيرية" و هو ما يمكن أن يشكل إضافة إخبارية. و هناك كذلك إشارات طفيفة و مختصرة عن مواقف "مستقلين" و "معارضين" و لو أنه لم يسمهم.

- النموذج الثالث يمثل وجهة نظر معاكسة. برغم إيراد التقرير للمعطيات الإخبارية التي وردت في "الصحافة الرسمية" إلا أن تغطيته الإعلامية الخاصة و بالتحديد الأطراف الثلاثة التي دعاها لإبداء رأيها اقتصرت على الأطراف المعارضة للحزب الحاكم. و يمكن هنا أن نسجل محاولة في بداية التقرير لإخفاء الصفة الحقيقية للشخوص الثلاثة المستطلعة آرائهم ("رشيد خشانة" و "المنجي اللوز" و "حاتم الشعبوني") من خلال وصفهم بـ"المستقلين" في حين أنهم أعضاء في قيادات في "الحزب الديمقراطي التقدمي" و "حركة التجديد" المعارضين. و في الوقت الذي تمت فيه الإشارة إلي ذلك في فقرات لاحقة في المقال في علاقة بشخصي "اللوز" و "الشعبوني" تم التركيز على شخص "خشانة" بوصفه "مستقلا". و عموما مثلما هو الحال بالنسبة لتقرير "الصباح" يترك هذا التقرير إنطباعا أحادي الرؤية بالرغم من الصفة "المستقلة" للصحفي كاتب التقرير و الموقع المنشور فيه التقرير.


مرسلة بواسطة هيئة تحرير الشاهد التونسي في 7:39 ص - عدد التعليقات: 3

هناك 3 تعليقات:

الرأي الحر يقول...

تقرير طيب ومتوازن، وهو ما انتظرناه من شاهد ذي بصر حديد... لكن لي ملاحظة بسيطة هو أن الكثير من الصحافيين لا عوزهم الرغبة في الموضوعية والإستقلالية ولكن المشكلة ان المعلومة لا تُعطى لكل باحث عنها وإنما ، وفي غالب الأحيان، طبقا لـ"هوية" المستحق لها، بمعنى طبقا لقاعدة الولاء.. أن يعطي "مسؤولا" رأيه لأحد محرري الصحف المغضوب عليها، من حيث المبدإ واجب، ولكنها أقرب إلى السريالية في واقعنا... لذلك يضطر الصحافي إلى التعامل مع الممكن... فتلد المعلومة بدخنها من التحيز غلى هذا الطرف أو ذاك.. لكن هذا لا يُغني عن البحث والإجتهاد لمواجهة خلفياتنا أيا كانت مرجعيتهاخدمة لاستقلالية هي شرط الموضوعية... والتي هي في نهاية المطاف صيرورة تتكون وليس واقعة نكتشف مكانها... طبعا هذا لا ينقص من فعالية هذا التقرير الذي جاء فاتحة واعدة لمسار نراه وُلد كبيرا... مع التشجيع والشكر على المجهود

tunisianblogger يقول...

خونا الشّاهد التّونسي يعطيك الصحة على اثارة الموضوع المهم هذا واللّي هو في الواقع يعكس تقريبا الواقعين السياسي والاعلامي في البلاد اللّي يسيطر عليهم اللّون الواحد والخطاب الواحد والحزب الواحد... وخاصة حالة السكيزوفرينيا الي ولاّو يعانيو منها برشة توانسا: كيف يبداو وحدهم يحكيو بلوغة وكيف تولّي الامور رسميّات تولي لغة اخري اللّي هي لغة الموالاة والقفة والتبندير وكلّو يهون في سبيل خبزة الصغيّرات! فمّا ملاحظة بسيطة ماذابيّ نزيدها تخص الصحافيين الاحرار واللي عندهم ضمير, في الواقع هو الواحد كيف يحب يكتب حاجة موضوعية بعيدة عن الانحياز ماينجمش على خاطر اولاّ المعلومات الّي تكون متوفرة تكون بلاغات حزبية والا مقالات متاع وات الكلها ارقام واحصائيات منفوخة وطبعا موش ممكن ا لواحد باش يثبت لا في مدى صحتها لا شئ وماعننكدش الحق تمسها... و ثانيا هو انّوا في صورة ما الواحد خدم حاجة محترمة وما هيش متاع انسج على هذا المنوال كيما قاعدين نشوفو في جل الجرائد "المستقلّة" متاعنا اللي تقفف و تناشد بكل عفوية يولّي مصيروا التّحندير من قبل رؤساء التحرير الاجلاء وكان سلّكها يلقى سطيّر ماللّي كتبوا والباقي الكل تجود بيه قريحة رئيس التّحريرمتاعو والمصححين ويلقاه مقال مذيل باسموا وكان عجبو...

الكاتب يقول...

تحليل سليم ومتميّز. موافق على كلّ ما ورد في هذا التحليل.